حياتنا عبارة عن فصول من المشاعر
ولكل فصل حكاية
هنا سأروي لكم هذه الحكايات في حياة عاشقين
وسنرى هل ينتصر الحب على هذه العقبات والمشاعر المختلفة أم أنها ستكون النهاية ؟؟
............
الغـــــــــــيرة ..( الفصل الأول )
في حديقة الجامعة وتحت ظل شجرة الصفصاف جلست لبنى تداعب الحشائش بيدها وقد أسندت رأسها إلى جذع الشجرة أخذت تستمع لحفيف الأوراق و تتابع صراعها أشعة الشمس معها وهي تحاول اختراقها .. فتحت احد الكتب التي استوطنت حضنها وبدأت تقلب صفحاته حتى وجدتها تأملتها والحزن بادٍ على وجهها بينما عينيها تنطق بكل الشوق والحب .. إنها صورة محمود ذاك الشاب الجامعي الوسيم ..حضنت الصورة إلى صدرها ثم أغمضت عينيها وأخذت تسترجع ملامح قصتها معه .. فقد بدأت الحكاية ذلك الصباح استيقظ محمود مبكراً رغم إنه لم يكن هناك ما يستدعي ذلك فدوامه الجامعي لا يبدأ قبل العاشرة ولكنه أراد أن يتعرف على الحي الجديد الذي انتقل إليه .. فجلس أمام نافذته وأخذ يرتشف بعض القهوة من فنجانه وهو يراقب ذاك الجار الذي يحمل بعض الأوراق بيده ويجري مسرعا على أمل اللحاق بالحافلة و أولئك الأطفال وهم يحملون حقائبهم ويملئون الشارع حياةً بضحكاتهم البريئة .. ووسط هذه المعمعة الصباحية شعر أن النافذة المقابلة له على وشك ان تفتح فأخذ ينظر إليها بلهفة وأمل ألا يكون جاره رجل عجوز يتأفف منه كلما رآه وفجأة فتحت النافذة على مصراعيها وأطلت منها فتاة سمراء جميلة كالملاك هكذا رآها .. وما أن وقعت عينيها عليه حتى خجلت فهي لم تكن تتوقع رؤية أحد .. ألقى عليها التحية :
- صباح الخير أنا محمود جاركم الجديد
ولكن الدهشة ألجمت لسانها فردت عليه بابتسامة خجولة ثم قالت :
- أهلا بك ..
شعر بأنها تريد التهرب منه فقرر الاستمرار بالحديث معها ليتمتع بتأمل وجهها الملائكي فقال لها :
- أنا طالب في جامعة العلوم هل لك أن تدليني على طريق مختصر للوصول إلى هناك ..
- فأجابت : أنا أدرس في نفس الجامعة , وعليك الذهاب من ..
- فقاطعها قائلاً : جميل إذاً سنترافق على الطريق ..
- فأجابت بخجل : حسناً لا بأس بهذا ..
نطقت كلماتها بسرعة وتركته في عالم آخر فقد سلبت ابتسامتها الرقيقة عقله وقلبه .. بقي محمود يحملق في نافذة جارته وبين الحين والآخر يطلق تنهيدة تنذر بوقوعه في الحب ..
وما أن اقترب الموعد حتى قام بتجهز نفسه وأوراقه وكتبه للذهاب للجامعة ثم خرج من بيته ووقف أمام باب العمارة في انتظار ها على أحر من الجمر .. و ما هي إلا دقائق معدودة حتى خرجت وكانت معها فتاة أخرى ولكنه لم يعرها اهتمامه فهو لم يرفع عينيه عن جارته الحسناء .. اقترب منها ومد يده مصافحاً :
- مرحباً أنا محمود .. فأجابته بخجل :
- أنا لبنى وهذه صديقتي سعاد ..
تبسم بوجهها ثم هز رأسه مرحباً بصديقتها و قال :
- اسمك جميل جداً لبنى ..( احمر وجه لبنى خجلاً ) ..
- قالت سعاد بغيظ : هيا لا نريد ان نتأخر على المحاضرات ..
وهكذا كانا في كل يوم يترافقان على الطريق من و إلى الجامعة
وعندما يعودان إلى المنزل كانا يلتقيان عند تلك النافذة ويذاكران
المحاضرات ويجريان الأبحاث معاً وما أن ينتهيان من الدراسة حتى يبدآن الحديث عن الأدب والشعر حتى يغلبهما النعاس ..وعلى هذا المنوال زاد تعلق لبنى بمحمود .. كان الحب واضحاً على وجهها ورغم إنها لم تعترف به جهراً لكن عيونها كانت تحكي أجمل كلمات الحب والغرام .. وكان لديها شعور قوي بأن محمود يبادلها الحب أو هكذا ظنّت .. وفي إحدى المرات في الجامعة جاءت سعاد إليها و وجهها يفيض سعادة وعيناها تلمعان أعطت كتبها ودفاترها لـ لبنى ثم همست بأذنها:
- (( لقد اعترف لي بحبه سأذهب للقائه )) .. فنظرت إليها لبنى باستغراب وقالت :
- من تقصدين ؟؟.. فأجابتها وهي تجري إنها في دفتري اقرئيها ..
فأخذت لبنى دفتر سعاد وبدأت تقلب صفحاته ثم وقعت عيناها على تلك الرسالة وما أن فتحتها حتى أحست بالأرض تهتز من تحت قدميها انه خطه .. هل يعقل هذا ؟؟.. لا مستحيل .. كان عليها أن تتأكد وترى هذا بعينها .. فقررت الذهاب خلف سعاد ..وهناك خلف الشجرة الكبيرة وقفت و رأت محمود وهو يحتضن سعاد بين ذراعيه ..كانت صدمتها كبيرة فأخذ جسدها يرتعش بقوة .. مشت نحوهما أرادت أن تنظر في عينيه .. كيف استطاع أن يخدعها .. سارت إليهما بخطواتٍ متثاقلة .. وقفت أمامهما وقد سالت الدموع من عينيها بغزارة وما أن رأتها سعاد حتى ابتعدت عن أحضانه .. بينما كان محمود حائراً من دموع لبنى فتقدم نحوها يريد مسح دموعها ولكنها نفرت منه وأخذت تجري هاربة لا تدري هل كانت تهرب منه أم تهرب من ألمها عادت للمنزل وأغلقت باب حجرتها وأحكمت إغلاق نافذتها ورمت بجسدها على سريرها وأخذت تبكي بحرقة وألم شديدين .. طرقت والدة لبنى الباب عليها كثيراً وهي تقول :
- لبنى حبيبتي ما بك يا صغيرتي ؟ ما الذي أبكاك اخبريني ؟ افتحي الباب دعيني أحضنك واطمئن عليك ؟؟ ..
ولكن لا مجيب لندائها بل زاد بكاء لبنى ورغم محاولاتها العديدة لم تفلح بإقناعها بفتح الباب .. ومرَّ اليوم الأول ثم الثاني ودموعها مازلت تجري على خدها ولم تفلح كل محاولات أمها بإقناعها بفتح الباب وفي اليوم الثالث اقتربت والدتها من الباب ولكنها لم تسمع أي صوت ولم تشعر أيضا بأي حركة .. فشعرت بانقباض قوي بقلبها انها لبنى جرى لها شيء ما .. يا إلهي احميها قالت أمها وبدأت تطرق الباب بجنون (( لبنى .. لبنى .. أجيبيني يا صغيرتي انا قلقة عليك لبنى أرجوك )) لكن لاصوت ولا حركة زاد توترها وقلقها ولم تعرف ماذا يجب أن تفعل .. ثم خطر ببالها محمود فجرت إلى منزله تطلب مساعدته .. وجاء معها مسرعا طرق الباب عدة مرات ولكنه لم يحصل على أية إجابة .. فاستأذن والدة لبنى في كسر الباب وسمحت له بذلك .. ضرب الباب عدة مرات بكتفه حتى استطاع أخيراً كسر القفل دخلوا إلى الغرفة فوجدوا لبنى ممددة على سريرها اقترب منها مسرعا وجسّ نبضها فوجده ضعيفاً جدا نظر حوله فرأى عبوة فارغة من الحبوب المنومة وضعها بجيبه ثم حمل لبنى وأسرع بنقلها إلى المستشفى وهناك قام الأطباء بعمل غسيل للمعدة وإعطائها بعض المغذيات عبر الوريد ثم وضعوها تحت المراقبة فبقي محمود مع والدتها إلى جانبها وفي اليوم التالي عندما استيقظت لبنى وجدت والدتها إلى جانبها تقرأ لها بعض الآيات القرآنية وكان هناك أيضا محمود يجلس إلى جانب السرير و التعب واضحاً على وجهه .. ثم انتبهت والدتها فصرخت بكل فرح :
- لبنى حبيبتي الحمد لله أن أعادك إلي سالمة .. كيف تفعلين هذا بي أيتها الغالية ؟؟ لقد كدت أموت من قلقي عليك ..
- فأجابت لبنى : أنا آسفة يا أمي ..ثم حضنت والدتها وبكت وأخذت والدتها تهدئ من روعها ..
وفجأة تدخل سعاد الغرفة وهي تبكي بشدة وتصرخ :
- سامحيني يا لبنى .. أقسم إنني لم أقصد أذيتك .. أنا آسفة جداً
نظر الجميع إليها بدهشة كبيرة واستغراب ثم قالت والدة لبنى والانزعاج واضح على وجهها :
- ماذا تقصدين بهذا يا سعاد ؟؟ ماذا فعلتِ بصغيرتي ؟
أجابت سعاد : لبنى هي صديقتي الوحيدة منذ الطفولة ولم نفترق يوما عن بعضنا ولكن .. بعد ان تعرفت على محمود تغير كل شيء .. فقد أصبحت تقضي معظم وقتها معه وعندما لا تكون معه فإنها لا تتحدث إلا عنه ( ثم نظرت نحو محمود بلؤم وغيظ شديد وصرخت ) لقد سلبتني صديقتي .. ( سكتت قليلا وتنفست بعمق ثم أكملت حديثها بهدوء ) كل ما أردته أن أستعيد لبنى وأبعد محمود من طريقي فأخذت أفكر بطريقة تحقق لي مرادي وعندما استقر رأيي على فكرة أسرعت بتنفيذها فذهبت ذلك اليوم إلى محمود وأخذت أسأله عن أمور عامة ثم رميت قنبلتي بوجهه فسألته :
- هل تحبها ؟؟ نظر في عيني ثم تنهد بعمق وأجاب :
- أحبها بكل جوارحي .. وسقطت دمعته على غفلة منه حاول تداركها ولكن بعد فوات الأوان ..
- ولماذا لم تخبرها عن حبك لها ؟؟ .
- لم أجد الفرصة المناسبة لذلك ..
- ما رأيك ان تكتب لها رسالة تعبر بها عن حبك ستفرح بها جداً وأنا سأدسها بين أوراقها ..
- انها فكرة رائعة سأكتب لها الآن ..ثم انغمر في الكتابة وعيناه كانت تلمعان بالحب والفرح ..
أضافت سعاد قائلة :
- واكتب لها في نهاية الرسالة : إن كانت تبادلك الشعور فإنك ستكون بانتظارها في الحديقة ..
هز رأسه بكل حماس موافقاً على رأيها ..
وفعلا كتب الرسالة ولكنني وضعتها في دفتري وأخبرتك إنها من حبيبي كنت أعلم إنك ستميزين خطه وإنك ستذهبين خلفي إلى الحديقة أردتك أن تشاهديننا معاً .. عندما وصلت إلى الحديقة رأيتك تقفين خلف الشجرة فادعيت إنه سيغمى عليّ وعندها أمسك محمود بي كي لا أقع أرضاً هذه هي الحقيقة لم أكن أعلم بحبك الكبير له .. فأرجوك سامحيني .. سامحيني يا لبنى ..
صرخت والدة لبنى في وجهها :
- كيف تجرئين ان تطلبي الصفح منها لقد كادت تموت بسبب أنانيتك .. اخرجي من هنا كم أكرهك لا أريد رؤيتك بالقرب من صغيرتي .. اخرجي الآن ولا تعودي مجدداً ..
في هذه الأثناء تبادل كل من محمود ولبنى النظرات كانت نظراته عتب وحزن وكانت نظراتها ندم وأمل .. وبعد خروج سعاد وهي تقسم إنها نادمة وكلمات الاعتذار تتردد على شفتيها .. استأذن محمود من والدة لبنى وخرج ولم يعد بعد ذلك لزيارتها ..
عادت لبنى بعد يومين إلى منزلها ولكن كان كل شيء قد تغير .. نافذة محمود مقفلة فقد ترك المنزل المستأجر بعد تلك الحادثة ولم يعد إليه .. ووالدتها أصبحت صارمة جداً معها .. وبعد أن استعادت كامل صحتها كان عليها العودة للجامعة وذلك اليوم لم تكن تملك الحماس الكافي لمتابعة المحاضرات .. فذهبت للجلوس بالحديقة تحت شجرة الصفصافة الكبيرة وهناك أخذت تتأمل صورة محمود وتلك الأفكار والتساؤلات تشغل تفكيرها .. هل سأراه مجدداً ؟ هل سيعود إلي ؟ أم أنني خسرته إلى الأبد ؟؟ .. ثم قطع حبل أفكارها بصوت الهاتف المحمول وهو يرن ( إنها والدتها ) نظرت لبنى إلى الساعة وقالت :
- يا إلهي لقد تأخرت ..لابد من أنها قلقة عليّ .. ثم تجيب على الهاتف بسرعة : فيأتي صوت أمها الغاضب من الجهة الأخرى قائلاً :
- أين أنت ؟؟ لماذا تأخرت ؟؟ عودي بسرعة إلى البيت فبعض الضيوف سيأتون لزيارتنا .. لا تتأخري ..
- أجابت لبنى بهدوء : حسناً يا أمي أنا في الطريق ..
غادرت لبنى الحديقة وهي تشعر بالحزن الشديد فقد كانت تتمنى رؤية محمود بشدة .. وعندما وصلت للمنزل وجدت والدتها تنتظرها عند الباب وأمسكت بيدها وأدخلتها لغرفتها قائلة :
- جهزي نفسك بسرعة والبسي ذلك الثوب الجديد فالضيوف على وشك الوصول .. أسرعي فأنت ستقدمين القهوة لهم .. هيا بسرعة ..
- ولكن أرجوك يا أمي .. فقاطعتها أمها بنظرة غاضبة
وقالت لها :
- لا تقولي شيئاً فبعد ما حدث أصبحت سيرتك على لسان الجميع في الحي .. لابد أن نضع حداً لهذه الأقاويل .. هيا ارتدي ملابسك بسرعة ..
هزت رأسها بخضوع وأغلقت باب غرفتها وبدأت بتغيير ملابسها ودموعها تنهمر من عينيها بهدوء .. وبعد قليل سمعت صوت والدتها وهي ترحب بالضيوف خرجت لبنى من غرفتها وذهبت للمطبخ وبدأت بإعداد القهوة وأثناء ذلك وصل إلى مسامعها قول والدتها (( على بركة الله سنعقد الخطوبة الآن أما الزواج فيتم بعد التخرج بإذن الله )) .. أخذ جسد لبنى يرتعش بقوة حتى كادت صينية القهوة تقع من يديها .. كتمت دموعها وآهاتها واتجهت لغرفة الضيوف كانت تسير بخطوات متثاقلة كانت تشعر بأن خطواتها تُوَقِعُ على وثيقة موتها .. طرقت الباب ودخلت وقد أطرقت برأسها أرضاً تحاول إخفاء دموعها وحزنها .. تقدمت قليلاً وقدمت القهوة للضيوف وكانت تسمعهم يقولون (( بسم الله ماشاء الله .. مثل القمر )) ثم وصلت إلى ذلك العريس لم تكن ترغب برؤية وجهه أغمضت عينيها وقالت له :
- تفضل .. فأجابها :
- شكرا يا لبنى .. سلمت يداك
أرادت أن تخرج ولكن استوقفها صوته ليس غريباً عنها .. هل يعقل ؟؟ التفت خلفها بسرعة .. نعم إنه هو .. حبيبها محمود يقف أمامها وقد ارتسمت تلك الابتسامة الرائعة على وجهه سقطت الصينية من يدها دون أن تشعر وركضت إليه وعانقته بقوة .. قال لها :
- كم اشتقت لك يا صغيرتي .. لبنى أنا أحبك جداً وأريدك أن تكوني زوجتي ورفيقة دربي فهل تقبلين بي زوجاً لك ؟؟
- هزت رأسها موافقة وقالت : وأنا أحبك أيضاً .. نعم نعم بالتأكيد موافقة ..
وعندها أطلقت أمها أجمل زغرودة معلنة بها خطوبة لبنى على محمود .. وهكذا اجتمع الحبيبين بعد أن كادت غيرة سعاد أن تفرق بينهما لكن حب محمود الصادق والعفيف لـ لبنى كان هو المنتصر الحقيقي في هذه القصة .. ويبقى السؤال يطرح نفسه علينا هل تكون النهاية هكذا دوماً أم أن للنفوس والطبائع والضمائر تأثيرها المختلف في كل قصة ؟؟ مع هذا السؤال أترككم على أمل اللقاء معكم بقصة أخرى نروي بها حكاية فصل جديد من فصول المشاعر .. إلى اللقاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق